lutfalinsan

اضطرابات النوم

اضطرابات النوم

الفروق بين الجنسين في العاطفة : التعبير و الخبرة الشعورية

تعُتبر فكرة أن النساء “أكثر عاطفة” من الرجال شائعة جداً، لكن الأبحاث حول هذا الموضوع كانت غير متسقة بسبب أن “العاطفة” تعتبر مصطلحًا مثيرًا للجدل، لأنها مفهوم متعدد الأبعاد يشمل الخبرة العاطفية، التعبير، والإحساس الفسيولوجي. يجب تحديد هذا المصطلح بشكل أوضح لفهم الفروق بين الجنسين بشكل أفضل. لذلك، كانت الفروق بين الجنسين في المشاعر محط إهتمام الباحثين والعلماء في مختلف المجالات، وخصوصًا علم النفس. يعُتقد بشكل شائع أن النساء أكثر عاطفة وحساسية من الرجال وغالباً ما يعبرن عن مشاعرهن بحرية أكبر، بينما يميل الرجال إلى التحفظ على مشاعرهم.                     تدعم بعض الأبحاث هذه الفكرة، خاصة فيما يتعلق بالتعبير العاطفي، حيث أظهرت بعض الدراسات أن النساء يميلن إلى إظهار المزيد من تعبيرات الوجه فيما يتعلق ببعض المشاعر مثل الحزن، الغضب، السعادة، الاشمئزاز، والخوف. ومع ذلك، فإن هذا التعبير المتزايد لا يعني بالضرورة أن النساء يشعرن بالعواطف بدرجة أكبر من الرجال.                  تشير الدراسات المرجعية إلى أن الفروق بين الجنسين في تجربة المشاعر أقل اتساقاً وغالباً ما تعتمد على السياقات الموقفية وليس على نوع الجنس . في بعض الدراسات، تم فحص المكونات الأساسية للعاطفة، التعبير، والتجربة الشعورية )الفسيولوجية( بشكل مكثف لدى الجنسين، وتشير النتائج إلى أنه بالرغم من أن النساء يميلن للإبلاغ عن كونهن أكثر تعبيرًا عن المشاعر، إلا أن هذا التعبير لا يرتبط مباشرة بزيادة تجربة المشاعر. على سبيل المثال، تظهر الدراسات التي تقيس الاستجابات العاطفية الفسيولوجية نتائج مختلفة، مما يشير إلى أن الرجال والنساء قد يتفاعلون بشكل مختلف بناءً على نوع المحفز العاطفي المقدم. تعتبر الدراسة التي أجراها كرينج وجوردون)  1998( من الدراسات المثيرة للإهتمام حول ا لإختلافات بين الجنسين في التعبير عن المشاعر، والخبرة الشعورية، وفسيولوجيا الشعور بشكل متزامن. خلال الدراسة، عُرضت على المشاركين أفلام عاطفية، وتم تصوير تعابير الوجه وتحليلها بواسطة نظام ترميز تعبيرات الوجه. كما تم قياس موصلية الجلد، وهي مؤشر لنشاط الجهاز العصبي اللإإرادي، لتقييم الاستجابة الفسيولوجية. أظهرت النتائج أن النساء كنّ أكثر تعبيرًا عن المشاعر الإيجابية والسلبية مقارنة بالرجال، لكن لم تكن هناك إختلافات في التقارير الذاتية عن المشاعر. كما أظهر الرجال والنساء إستجابات مختلفة لموصلية الجلد، حيث كان الرجال يتفاعلون أكثر مع أفلام الخوف والغضب، بينما كانت النساء أكثر تفاعلًا مع الأفلام الحزينة والاشمئزاز. تشير هذه النتائج إلى أن الإختلافات في التعبير بين الجنسين لا يمكن تفسيرها بالإختلافات في التجربة العاطفية المبلغ عنها، لأن التقارير الذاتية التي يبلغ عنها الأفراد تتأثر بما يعتقدونه عن أنفسهم وإهتماماتهم في المثيرات التي عرضت عليهم. من ناحية أخرى، تلعب التنشئة الاجتماعية والثقافة والعوامل البيولوجية دورًا في الفروق بين الجنسين في المشاعر. تشير الأبحاث إلى أن ا لإختلاف في الهرمونات مثل مستويات الإستروجين والتستوستيرون قد تؤثر على كيفية استجابة الأفراد للمشاعر.   على سبيل المثال، قد تلعب الهرمونات دورًا في استجابات الإجهاد والعاطفة كما يحدث مع النساء قبيل الدورة الشهرية. بالإضافة إلى ذلك، تحدد التنشئة الاجتماعية والثقافة كيفية تعبير الرجال والنساء عن مشاعرهم وتنظيمها. على سبيل المثال، عادةً ما يتم تنشئة الذكور على كبت المشاعر والتعبير العاطفي ليصبحوا أكثر رجولة وخشونة، ولذلك نرى الرجال يعبرون أكثر عن الغضب والمشاعر المرتبطة بالقوة، والتي تتوافق مع الأدوار ا لإجتماعية المتوقعة منهم ،بينما يتم تنشئة الإناث على أن يكن أكثر إنفتاحًا وتعبيرًا عن مشاعرهن، ويظهرن تعبيرًا عن المشاعر المرتبطة بالضعف أكثر مثل الحزن. يقدم النهج التكاملي بين المنظور الاجتماعي والبيولوجي تفسيرًا أكثر وضوحًا وإتساقًا للفروق بين الجنسين في العاطفة، حيث يشير إلى أن هذه الفروق تنشأ من التفاعل المعقد بين العوامل البيولوجية والاجتماعية. فهم الفروق بين الجنسين والإختلافات في التعبير عن المشاعر يساعد في تقديم نهج أكثر تكاملاً وفاعلية في معالجة المشاعر والتعامل معها. تعد دراسة الفروق بين الجنسين في المشاعر موضوعًا متعدد الأبعاد. بينما تشير الأدلة إلى أن النساء عمومًا أكثر تعبيرًا عن المشاعر من الرجال، فإن هذا لا يترجم دائمًا إلى تجربة عاطفية أكثر كثافة. حيث يلعب التفاعل بين العوامل البيولوجية والاجتماعية دورًا حاسمًا في تشكيل الاستجابات العاطفية. مع استمرار الباحثين في كشف تعقيدات الفروق بين الجنسين والعواطف، يصبح من الضروري بشكل متزايد إعتماد وجهات نظر دقيقة تأخذ في الإعتبار الفروق الثقافية، والسياقية، والفردية. يمكن أن يؤدي هذا الفهم الشامل في النهاية إلى استراتيجيات صحية نفسية أفضل و يرفع إدراكنا لتجارب الإنسان العاطفية.

اضطرابات النوم

العار .. صمت النفس العميق الذي يطلب الغفران

العار شعورٌ مُعقدّ، عميق، ومتعدد الأوجه، وله آثارٌ بالغة على الصحة النفسية والجسدية والعلاقات الشخصية. وغالباً ما يُوصف بأنه شعورٌ مؤلم يتميّز بالدونية والضيق، وينشأ عن إدراك الفرد لسلوكٍ خاطئ أو أحمق. وعلى الرغم من أن العار يُنظر إليه عادةً على أنه شعور سلبي، إلا أنه قد يؤدي أحياناً وظيفة تكيفية، إذ يعمل كمن ظّم اجتماعي يشُجع الأفراد على الالتزام بالقيم والمعايير المجتمعية، إلا أنه عندما يصبح مزمنًا أو متفشيًا، يتحوّل إلى قوة غير تكيفية تؤدي إلى تصوّر سلبي للذات وضيقٍ عاطفي عميق. وعلى عكس الشعور بالذنب، الذي يرتبط عادةً بالتصور الداخلي وقيم الشخص ومبادئه ، فإن العار يرتبط بالتصور الخارجي للفرد والقيم المجتمعية التي توازن بين احتياجات الفرد وأهدافه من ناحية أخرى. لذلك من الضروري فهم الفرق بين الذنب والعار: فشعور الذنب يتمحور حول الأفعال المحددة التي يفعلها الشخص ومشاعر الندم المرتبطة بقيم الشخص مثل ” أنا أخطاءت وأشعر بالذنب لقيامي بذلك” بينما يتصل العار بالقيم المجتمعية والتصور الخارجي للشخص كليّا والمبني على التصورات المجتمعية مثل ” أنا شخص سيء لقيامي بكذا وكذا” أو ” أنا غير كفؤ” . ويؤثر هذا التمييز على كيفية استجابة الأفراد لإنفعالاتهم؛ إذ يمكن أن يدفع الذنب إلى سلوكيات إصلاحية، في حين يدفع العار غالباً إلى الانسحاب أو العدوان. تستعرض هذه المقالة الأسس النفسية للعار، وآثاره على الفرد، ودوره في الصحة النفسية. تشير عالمة النفس جون تانغني إلى أن العار يتمحور حول التركيز على الذات، حيث يرى الأفراد أنفسهم معيبين أو غير أكفاء. وقد ينشأ هذا التقييم السلبي من مصادر متعددة، مثل المعايير الثقافية، والتوقعات العائلية، أو التجارب الشخصية (تانغني ،1996) ” تانغني : عندما نشعر بالعار، نشعر بالسوء تجاه أنفسنا. نحن نعاني من عيب جوهري لأننا فعلنا شيئاً ما. هذ ا ينعكس على هويتنا كأشخاص. أنا شخص سيء لقيامي بذلك. أم الشعور بالذنب،  فيرُكز على سلوك  منفصل نوعًا ما عن الذات. قد تكو ن شخصًا جيدًا، لكن ك تفعل شيئ اً سيئاً. ولذلك، عندما يشعر الناس بالذنب،  فإنهم عادةً ما يشعرون بالسوء تجاه شيء  فعلوه، شيء  مُحدد، أو شيء لم يفعلوه وكان ينبغي عليهم فعله. “ كما ميّزت لويس (1971) بين نوعين من العار :العار الأولي، وهو استجابة فطرية للرفض الاجتماعي المُتصوَّر، والعار الثانوي، الذي ينشأ من التأمل الذاتي واستيعاب القيم والمعايير الاجتماعية. ويعُد هذا التمييز أساسياً لأنه يبُرز كيف ينتقل العار من كونه حكمًا خارجيًا إلى نقدٍ ذاتي داخلي. وقد سلطت الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب الضوء على كيفية معالجة العار في الدماغ. إذ أظهرت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن مناطق الدماغ المسؤولة عن التنظيم العاطفي، مثل قشرة الفص الجبهي واللوزة الدماغية، تنشط عند الشعور بالعار. ويُشير هذا النشاط إلى أن العار ليس مجرد انفعال عاطفي، بل يتضمن أيضًا عمليات معرفية معقدة تتعلق بتقييم الذات. وقد بينت الأبحاث أن العار يرتبط بعدد من الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق وانخفاض تقدير الذات (جيلبرت ،2000) . كما أن الأفراد الذين يعانون من العار المزمن قد يطوّ رون استجابات غير تكيفية، كالتجنّب أو الانسحاب أو العدوانية، مما يزيد من عزلتهم ويُكرّس دورة مستمرة من العار وكراهية الذات. إن فهم هذه الآليات يُسهم في تطوير استراتيجيات علاجية أكثر فاعلية للتعامل مع مشاعر العار. من ناحية أخرى، يمكن للعار أن يُؤثر سلبًا في العلاقات الاجتماعية والشخصية. فحين يشعر الأفراد بالعار، تقل رغبتهم في التواصل والانفتاح، مما يؤدي إلى سوء الفهم وتفاقم الصراعات. ووفقًا لـبراون(2006) ، يمكن للعار أن يضُعف التعاطف والتواصل، مما يجعل بناء علاقات صحية أكثر صعوبة. وفي عصرنا الرقمي الحالي، تفُاقم وسائل التواصل الاجتماعي من مشاعر العار، إذ إن التعرض المستمر لصور مثالية عن حياة الآخرين يعزز المقارنة الاجتماعية ويشُعر الأفراد بالنقص. كما أن التنمر الإلكتروني والتشهير العلني يمكن أن يزيدان من حدة العار ويؤديان إلى آثار نفسية وجسدية خطيرة. وتختلف الثقافات في نظرتها إلى العار؛ ففي بعض الثقافات، يُعد العار تجربة جماعية تمسّ العائلة أو المجتمع، لا الفرد وحده. فالثقافات الجماعية، كالثقافات العربية، تعُلي من شأن الانسجام الاجتماعي والتوافق الجماعي، ما يجعل انحراف الفرد عن هذه المعايير سببًا لشعو رٍ مضاعف بالعار (ماتسوموتو وجوانغ، 2016). في المقابل، تميل الثقافات الفردية إلى التركيز على الإنجاز الشخصي والاستقلالية، مما يجعل العار مرتبطًا أكثر بالفشل الفردي أو الشعور بعدم الكفاءة. وقد يكون لهذا إما دور في تعزيز التماسك الاجتماعي أو في زيادة الأعباء النفسية على الفرد. أما في مجال العلاج النفسي، فيعُد التعامل مع العار خطوة محورية نحو الشفاء والنمو الشخصي. إذ يركّز المعالجون على مساعدة الأفراد في التعرف على محفزات العار، وفهم جذوره، وتطوير استراتيجيات تكيف صحية. ويتعلم الأفراد من خلال العلاج تحدي المعتقدات الذاتية السلبية واستبدالها بحوار داخلي أكثر تعاطفًا. وتشمل الأساليب المستخدمة إعادة الهيكلة المعرفية، واليقظة الذهنية، وتدريب التعاطف مع الذات .وقد شددت نيف (2011) على أهمية التعاطف مع الذات كعامل موازن للعار، إذ يسُهم في تخفيف الأحكام الذاتية القاسية وتعزيز التقبل الذاتي. إضافة إلى ذلك، تعُد تهيئة بيئة علاجية آمنة عنصرًا أساسيًا تمكّن الأفراد من استكشاف مشاعر العار دون خوف من الرفض أو الأحكام. ويتماشى هذا النهج مع مبادئ الضعف والأصالة التي ناقشتها براون(2102) ، حيث ترى أن تقبّل الضعف يمكن أن يُؤدي إلى قدرٍ أكبر من المرونة والتواصل الإنساني الصادق. ختامًا، يُعد العار شعورًا إنسانيًا عميقاً يمكن أن يؤثر بعمق في النفس والعلاقات. إن فهم جذوره وآلياته وآثاره النفسية يعُد خطوة جوهرية نحو تعزيز الوعي الذاتي وتحقيق الشفاء. ومن خلال مواجهة العار وإدراك أبعاده الثقافية والاجتماعية، يستطيع الأفراد تجاوز آثاره السلبية وبناء علاقة أكثر رحمة وتقبلًّا مع ذواتهم.

Scroll to Top